كانت الدعوة إلى الكتابة و القراءة هي فاتحة الكتب السماوية, ففي الإنجيل المقدس بحسب إنجيل يوحنا “في البدء كانت الكلمة “, وكانت أول آية نزلت في القرآن الكريم “إقرأ بسم ربك الذي خلق”, لكن حال القراءة و الكلمة في البلاد العربية لا يسر و لا يبعث على الغبطة و الانشراح, رغم أن أمتنا هي أمة “إقرأ”.
فالشعوب العربية هي أقل الشعوب قراءة, حيث يبلغ معدل القراءة المواطن العربي
السنوي ستة دقائق فقط, مقابل أكثر من اثنتي عشرة ساعة لنظيره الأوروبي, كما أن حال النشر ليس بأفضل, حيث تبلغ نسبة الكتب المنشورة باللغة العربية ما يزيد عن واحد بالمائة بقليل, وهي نسبة قليلة جداً مقارنة بالمكانة العالمية التي تحتلها اللغة العربية و هي لغة القرآن الكريم و الحضارة و صاحبة التاريخ العريق لكونها و لسنين طويلة لغة العلم و الأدب و الفلسفة في العالم,
كما أن حال الكتاب في المحتوى الرقمي ليس بأفضل من الشكل الورقي التقليدي
فلو استخدمنا موسوعة “ويكيبيديا” العالمية كأداة قياس نجد أنه من ضمن الستة ملايين مقال التي تضمنها بكافة لغات العالم تقريباً, هناك أكثر بقليل من مائة ألف مقال مكتوب بالغة العربية.
و لو ألقينا نظرة تحليلية لواقع الكتاب و القراءة في الوطن العربي لوجدنا أن من أكثر أسباب عزوف المواطن العربي عن القراءة:
1. الأمية: حيث تبلغ نسبة الذين لا يعرفون القراءة و الكتابة إلى أكثر من ثلاثين بالمائة في الوطن العربي, أي أن هناك 100 مليون مواطن عربي لا يهمه شراء الكتب لأنه عاجز عن قراءتها, و حل هذه المشكلة هو موضوع بحث مختلف.
2. ضعف وسائل المعيشة: حيث أن هناك نسبة كبيرة من سكان العالم العربي تعيش تحت خط الفقر أو على حدوده, مما يجعل الكتاب من الكماليات التي يعجز الفرد عن اقتنائها.
3. ضعف توزيع الكتاب: فالكتب الصادرة في الوطن العربي تعاني من عقبات في التوزيع لعل من أهمها أن الكتاب رغم أنه يخاطب 300 مليون مواطن عربي إلا أنه يخضع إلى اثنتين و عشرين قانوناً و تشريعاً و قيدا جمركيا تحكم حرية تنقله و توزيعه في الدول العربية, كما أن مسألة حماية الحقوق الملكية الفكرية و المادية للمؤلف و الناشر و بخاصة في الفضاء الرقمي تعيق مسألة انتشاره في هذا الفضاء غير الخاضع لهذه القوانين(هناك محاولات و بدايات قوانين و تشريعات لتنظيم هذا الفضاء و لتيسير نقل و انتقال الكتاب العربي).
4. ضعف منافذ بيع الكتب : حيث تعاني المكتبات بشكل عام من انحصار عملية بيع الكتب خلال معارض الكتاب العشرين التي تقام في الوطن العربي.
5. محدودية الكتب المطبوعة: و تظهر هذه المشكلة بشكل جلي لدى كتب الأطفال, فالضعف الواضح في إصدار كتب خاصة بالأطفال و الناشئة تجعل من الصعب على الراغبين في القراءة إيجاد الكتب التي تلبي رغبتهم في القراءة, كما تجعل من الصعب على الأهالي الراغبين في تشجيع عادة القراءة توفير الكتب المناسبة لأطفالهم, و كذلك الأمر بالنسبة إلى الكتب المتخصصة التي تساعد الراغبين في تطوير مهاراتهم في مجال عملهم و اختصاصهم, حيث يندر إصدار مثل هذه الكتب مقابل الكتب الأدبية و العامة.
وهذه بعض النقاط المقترحة التي يمكن أن تساهم في حل بعض هذه المشاكل:
· الدعوة على إنشاء سوق عربية مشتركة تسمح بحرية تداول الكتب و الأفكار عبر إزالة المعوقات الجمركية و البيروقراطية التي تعيق انتقال الكتب بين الدول العربية و إصدار تشريع عربي موحد بهذا الخصوص.
· اعتماد التجارب و المبادرات على مستوى البلاد العربية لتقديم الكتاب إما مجاناً أو بأسعار زهيدة, وكان قد سبق لاتحاد الناشرين السوريين أن أطلق مبادرة نشطة و فعالة و يتابعها على مستوى سورية بعنوان “خذ الكتاب بقوة”لتحقيق هذه الغاية.
· إدخال القراءة كعادة سلوكية لدى الفرد العربي, بحيث يصبح الكتاب رفيقاً دائماً يملأ ساعات الفراغ و الانتظار, و اقتباس التجارب العالمية بهذا المجال, حيث أصبح الكتاب وسيلة التسلية الأساسية في وسائل النقل العامة في الدول الأوروبية و اليابان على سبيل المثال.
· قيام تجمع بين معارض الكتاب المختلفة في البلاد العربية و التنسيق فيما بينها, و المراعاة في مواعيدها بحيث تكون هذه المعارض سوق دائمة للكتاب.
· تشجيع تأليف كتب ذات ارتباط وثيق بقضايا مجتمعنا العربي و تحديات العصر, و تقديم الحوافز المادية و الأدبية لأفضل الكتب المنشورة, و تقديم الدعم لإصدار الكتاب الأول للمؤلفين و الناشرين و بحسب الاختصاصات المتعددة.
· تشجيع العمل الجماعي و الميداني في مجالات البحث مما يرفع من سوية الكتب.
· حماية حقوق الملكية الفكرية للكتاب و الدعوة إلى ميثاق أخلاقي(قانوني)يضمن حقوق المؤلفين و الناشرين معاً
· يشغل تحقيق الكتب التراثية والمخطوطات حيزاً هاماً من عملية النشر في بلادنا, لذا لا بد من تنسيق الجهود العربية على كافة المستويات الرسمية ة الأهلية و الخاصة(جامعة الدول العربية و الإلكسو و الإسيسكو) في مجال حماية المخطوطات و توثيقها و تأريخها و إصدار فهرس شامل لها.
· تعزيز موقع الكتاب الرقمي و حماية المؤلف المادية و المعنوية لما ينشر على شبكة الانترنت لأهميتها.
· دعم المكتبات العامة و تطويرها, و تعميم المكتبات المتنقلة في القرى و الأماكن النائية بما يؤكد و يوفر حق القراءة للجميع
و نختم بأن عملية القراءة هي تعلم و تعليم و تثقيف و توثيق و تاريخ و تسلية و فوائد, فلا بد من السعي لتلبية هذه الغايات عند التأليف و الإعداد و الطباعة و النشر, و بعد أكثر من ألف عام يبقى قول شاعرنا الكبير أبو الطيب المتنبي:
وخير جليس في الزمان كتاب
نائب رئيس الاتحاد مازن يوسف صباغ